الأحد، 24 مارس 2013

حياة باي - أي القصتين تصدق؟

1 التعليقات

لم يكن من الصعب علي عندما انتهيت من الرواية أن أحدد أي القصتين أصدق، لكن مع مرور الوقت ومع توارد الأسئلة على رأسي فقد غدوت محتارا حقا ولم أعد قادرا على حسم أمري، فكلا القصتين لهما حجج قوية تدعمهما، ولعل هذا ما يبرر انقسام قراء الرواية ما بين مصدق للقصة الأولى ومكذب للثانية، وبين مكذب للأولى ومصدق للثانية، بالنسبة لي أحسد كلا الفريقين على حسم أمرهما بينما مازلت أنا حائرا وضائعا بين الأسئلة.
كان يبدو لي من خلال نهاية الرواية أن القصة الثانية التي رواها باي كانت فقط لإرضاء المحققين اليابانيين اللذين – وأقتبس من باي- : "لا يمكن لعقلهما المحدود أن يستوعب القصة الأولى" ، فبعد إلحاحهما أراد باي أن يحكي لهما قصة مسطحة "تؤكد لهما ما يعرفانه سلفا دون النظر أبعد أو أعلى أو بطريقة مختلفة" (أقتبس ثانية من كلام باي لهما). كذلك ما يعزز فرضية القصة الأولى هي تلك التفاصيل الكثيرة التي رواها باي وحكى فيها ما عاشه لحظة بلحظة(العواصف، الحيوانات المفترسة، الجزيرة الحمضية، صيد الأسماك، قراءة كتيب الارشادات...) دون أي تناقض في الأحداث على العكس بدا كل شيء متناسقا (هل ترى جعلته تلك المدة الطويلة في البحر يروي الحكاية لنفسه مرارا وتكرارا إلى أن ملأ جميع الثغرات !! من يعلم؟؟) كذلك يجب ألا ننسى امتنانه لريتشارد باركر (النمر) الذي -حسب باي- يرجع له الفضل في نجاته حيث أن مراقبته الطويلة والمتأملة بعثت له الأمل الدائم في النجاة وأعطته معنى لبقائه على قيد الحياة. ولولا ذلك الامل لكان باي قد استسلم منذ مدة طويلة، كما أن انشغاله في البداية ب"باركر" وخوفه منه شغله عن التفكير في عائلته والمصير الذي لقيته. وشغله كذلك حتى عن إدراك ورطته وسط المحيط دون مؤوونة كافية تقيه من رهبة الجوع والعطش.
لكن ألا نصنع دائما عالما موازيا في خيالنا نعيد فيه صياغة أحداث العالم الحقيقي التي نرفضها، ألا نتمنى دائما لو أن الأمور كانت مختلفة عما تبدو عليه؟ لماذا لا تكون القصة الثانية هي الحقيقية، وأن كل ما فعله باي هو محاولة نسيان الواقع الأليم الذي عاشه وإظهاره بصورة فانتازية جميلة. فبعد أن رأى إلى أي مندرك يمكن أن ينزل الانسان، ولأنه لم يرد أن يفقد أمله في الانسانية وكذلك إيمانه بالله، فقد أعاد صياغة الأحداث لتظهر كما رواها في القصة الأولى، ولعله إن لم يفعل ذلك فقد ثقته في الناس وفي العالم فلم يعد هناك معنى لأي شيء، بل لم يكن هناك معنى لنجاته أصلا وتشبثه من أجل البقاء، فماذا تكون الحياة إن كنا قد فقدنا ثقتنا في كل شيء؟
كذلك ما يعزز فرضية القصة الثانية هو جملة باي: "وكذلك الله"، عندما سأل اليابانيان عن أفضل قصة وأجاباه: القصة الأولى، فقال: "وكذلك الله". اليابانيان لم يفهما قصده والكاتب "يان مارتل" أيضا لم يفصح عن قصد باي، لكن لا شك أن باي أرادهما أن يدركا لو أننا روينا قصة العالم بطريقتين مختلفتين، فكانت قصتنا الأولى عن عالم خلقه الله تسوده الروحانيات ويحمي فيه الرب البشر الذين يعبدونه، وكانت قصتنا الثانية عن عالم مادي جامد لا روحانية فيه، فلا شك أن قصتنا الأولى هي الأجمل. وقد نستنتج من هذا الكلام أن القصة الثانية هي الواقع ولكن القصة الأولى ببساطة هي الأجمل.
وهنا –في ظني- يفشل الكاتب في تحقيق المغزى من روايته ، حيث أراد أن يكتب قصة "تجعلك تؤمن بالله". لكنني كإنسان أؤمن بوجود الله تعالى لا أظن أن الايمان بالله يمكن أن يتحقق فقط باعتباره هو القصة الأفضل بين قصتين.
وختاما، فإن رواية باي ليست مجرد رواية عادية، فقلما نعثر على روايات تجعلنا نطرح أسئلة عدة ونحن نتصفحها فكيف برواية تجعلك لا تتوقف عن طرح الأسئلة حتى بعد الانتهاء منها بمدة طويلة. ولا تستطيع أن تمنع نفسك من التفكير فيها.

محمد كركازي
19 – 01 – 2013

الجمعة، 11 يناير 2013

العالم العجائبي لفرانز كافكا - رواية المسخ

0 التعليقات









محمد كركازي-

انتظرت نهاية أكثر درامية للرواية ولم أعتقد أن كافكا سينهيها بشكل طبيعي حيث يكون على أسرة جريجور التطلع بسهولة الى المستقبل دون التفكير فيما حصل طيلة الاسابيع السابقة
لكنني عدت وتيقنت أنه ربما كان ذلك امرا متوقعا اذا أخذنا بعين الاعتبار "تنكر" الأسرة لجريجور سامسا منذ أن طرأ عليه ذلك التحول العجيب.
تبقى رواية المسخ عالما عجيبا صنعه كافكا ليرسم لنا صورة عن قدرة الانسان على التواصل مع المحيطين به ، وكذلك عن الاشياء التي نظن انها مهمة في الحياة ثم تفقد أهميتها كليا عندما تطرأ أمور غير متوقعة.
أجمل اقتباس أعجبني في الرواية
"هل المواطنون جميعا وبصفة خاصة مجرد أوغاد لا يوجد بينهم أبدا ولو رجل واحد فقط مخلص في تفانيه، رجلعلى الرغم من أنه قد يضيع ساعة أو نحوها من وقت عمل المتجر ذات صباح فإنه يكاد يفقد صوابه تحت وطأة الضمير، وهو غير قادر رغم ذلك على أن يبارح فراشه، وهل يكفي أن يستفسر لو كانت ثمة ضرورة للاستفسار أصلا

السبت، 1 ديسمبر 2012

الذكريات نسائم الخلان ، محفورة في القلب والوجدان


أشتاق للأيام مرت مثلما مر السحاب
عمرا قضيناه معا أترى يعود
فعسى بها أومثلها ربي يجود 
ما غيره نرجو لتحقيق الأماني

الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

هل أقول لا للفكر؟




هل أقول لا للفكر؟
بقلم محمد كركازي

عندما سمعت أذان العشاء، كنت قد انتهيت لتوي من آخر صفحة من رواية كانديد للكاتب الفرنسي فولتير، قضيت أياما وأنا أقرؤها متتبعا كل مآسي شخصيات الرواية فالقصة أرادها صاحبها خالية من الافراح كل من ذكر اسمه في القصة توجب عليه أن يعاني ليبقى الفرق بين الجميع هو مقدار ما لاقاه من أحزان في هذه الرواية.
كنت متشوقا لمعررفة خاتمة القصة، لأرى أيا من توقعاتي كانت الصائبة، قال لي أحد أصدقائي الذين اطلعوا عليها قبلي إن فولتير حاول في رواية كانديد أن ينتقد التفاؤل عند الناس لذلك سمى قصته  « كانديد أو التفاؤل » مبرزا بطل قصته الذي لا يلبث أن يصادف ظروفا قاسية كل مرة ولكن ردة فعله هي أن الامور ما كانت لتكون أفضل وهي الحكمة التي تعلمها من معلمه بانكلوس الفيلسوف، أما ما كتب في ظهر القصة هو أن فولتير حاول انتقاد النفاق والشر الموجود عند الناس في مجتمعه.
المهم أن الخاتمة لم توافق أيا من توقعاتي، فكانديد بعد كل المآسي التي عاشها التقى أخيرا مع حبيبته التي لم تعد جميلة كما كانت وعاش أيامه مع أصدقائه البؤساء في حياة رتيبة مملة حتى أن العجوز التي ربما كانت أكثرهم بؤسا تساءلت إن كانت كل مآسيها أحسن من حياة الملل تلك، وكانت جملتها تلك كفيلة بأن تخلخل تفكير كل الباقين ما جعلهم يبحثون عن مخرج، وهو ما وجدوه أخيرا عند مسلم تركي بسيط، لم يكن غنيا ولكنه كان سعيدا، سعيدا لان حياته غير معقدة لم يكن يعرف اسماء الوزراء ولا أفكار الحكماء كل ما كان يفعله هو العمل في الصباح لجلب القليل من المال كان يكفي لإطعام أولاده الاربعة، حياة بسيطة لكنها تجعل صاحبها سعيدا، وهذه هي الطريق التي اختارها في الاخير البؤساء وهي الانهماك في العمل حتى نحصل على حياة افضل.
تساءلت مع نفسي ان كنت ارغب في فعل ذلك، أي أن اترك التفكير المعقد في الاشياء وانسى مصاعب الحياة بالانهماك ببساطة في العمل وما اسهل ذلك ، غير اني لم استطع ربما كان التفكير يجلب مصاعب للنفس وصاحبه لا يستطيع التعامل أو التفاهم مع باقي الناس، وقد يتخلى أو يستغني عن أشياء تغنيه أو تمنحه التفوق ولكنه على كل حال مشغلتي الوحيدة التي تميزني عن باقي الناس وما يعنيني أرضوا بذلك أم سخروا أم أشفقوا فخير لي أن أعيشا غريبا في عالمهم على أن أرضيهم وأخسر عالمي وعزائي الوحيد هو في قول المتنبي :        ذو العقل يشقى في النعيم بعقله........وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.

الاثنين، 26 نوفمبر 2012

فكرة ماتت ...



فكرة ماتت ...
بقلم محمد كركازي

عندما مللت من قراءة الكتب، فتحت صفحة بيضاء علني أطرح فيها ما جال في خاطري وأنا أتقلب بين صفحات كتب شغلت فكري ومنعت الملل من دخول عالمي.
كنت قد تهت في كتب توفيق الحكيم لغزارة انتاجه حتى ظننت أني لن أنتهي من قراءة ما خطته يداه ولو نلت من العمر ما ناله نوح، فشككت في كونه قد كتب كل ذلك بمفرده فأنى له كل ذلك الوقت بل وأنى له تلك الافكار التي لم تطر من باله قبل أن يدونها. قلت في نفسي لعله لم يكن مثل صاحبه الذي ذكره في كتابه "أرني الله" والذي انشغل عن الفكرة التي توسلت إليه أن يقيدها ويخرجها الى النور بالطعام، فلما فرغ منه كانت الفكرة قد ماتت.
صاحبنا لم يتأسف عليها ولم يبد أي ندم أو حسرة فكم من آلاف الافكار مرت بذهنه وكان مصيره كمصيرها، بل ولم يتذكر حتى آخر كلماتها عندما أخبرته أن الفكرة يمكن أن تفعل الافاعيل فاختراع الكهرباء والحاسوب ونشوب الحروب كل ذلك يبدأ بفكرة . تلك الفكرة التي مرت بأذهان آلاف الناس فما انتبهوا اليها ولا اهتموا بشأنها فهي مجرد فكرة لا قيمة لها حسب ظنهم انشغلوا عنها بأمور اعتبروها أهم من الامساك بقلم والشروع في تسجيل ما يلقيه عليه بالهم فهم ـ غير متفرغين لتوافه الامور ـ فكان تكوينها في ذهنهم وكانت كما قال الحكيم "فكرةً ماتت قبل أن تولد".

الخميس، 22 نوفمبر 2012

عندما تأتي لحظة الوداع



عندما تأتي لحظة الوداع

بقلم محمد كركازي


فقط عندما تأتي لحظة الوداع، ندرك كم قسونا على بعضنا البعض، ولكن الأوان يكون قد فات، فقط في تلك اللحظات نعرف أن سوء الفهم الذي كان يحصل بيننا هو من منعنا من قضاء أحلى الأوقات، وفي تلك اللحظة فقط ندرك وجود تلك الروابط التي تربطنا معا، فنندم لأننا لم نمنح أنفسنا الفرصة لنكتشفها من قبل، قسونا على بعضنا البعض وظننا أشياء كثيرة لم تكن في الواقع إنما تعيش في خيالنا، فنظن كل نظرة وكل تعليق أمرا سيئا نغضب حوله، فنظلم أحباءنا ونظن أنهم أعداء لنا وهم أكثر الناس الذين أحبونا واهتموا لأمرنا، ولو تمعنا أكثر لوجدنا تلك النظرة أو ذاك التعليق لم يحمل وراءه أي نية سيئة ، ولكنها خيالاتنا تصور لنا الأمور كما نريد أن نراها لا كما هي واقعة حقا، وللأسف لا ندرك كم كنا مخطئين حتى يأتي يوم الرحيل، يوم أسود يجعل القلوب تتفطر، والدموع تنسكب من العيون.


في يوم الرحيل نتذكر أيامنا وذكرياتنا الجميلة فيصعب علينا الفراق ونتساءل: هل بعد هذا نفترق؟

نندم لأننا لم نغتنم الفرصة أكثر، ولم نعش لحظاتنا كما ينبغي، ونأسف لكل دقيقة وكل ثانية ضاعت في الخصام أو في الحزن، يود الجميع طلب الغفران والمسامحة، ويأمل الجميع لو تعود الأيام قليلا إلى الوراء، فيعيشها كما ينبغي ويفهم الآخرين الذين أحبوه أكثر من أنفسهم ولكنه ظلمهم عندما ظن أمورا غير حقيقية تجاههم. هذا هو يوم الرحيل، هناك من يتعاهد على اللقاء مهما طال الزمن، وهناك من يتجرع الألم والحسرة لأنه يعرف أن اللقاء مستحيل.

دائما ما أجدني أردد كلمات ذلك النشيد الذي أسمع صداه منذ أيام الطفولة:


نادى الرحيل بالفراق    هل في اللقاء رجاء
نادى الرحيل بالفراق    هل بعده لقاء
هذا شعارنا يشهد         علينا بالإياب
إنا وإن طال الزمن       سنسعى للقاء
سنسعى للقاء.....